الجمعة، 14 نوفمبر 2008

شـاهد حــرب ـ تموز 2006 ـ صور: الإبحار نحو الحرب


لم تكن ملامح الحرب بادية على وجه مدينة صور الساحلية، فالحياة بقيت تنبض طوال نهار وليل الثاني عشر من تموز 2006.
عند الساعة الثانية والنصف فجر الثالث عشر من تموز لم يكن قد مضى على نومي أكثر من 30 دقيقة، رن هاتفي الخلوي وأبلغت عن تحليق مكثف للطيران المروحي والحربي فوق صور ومنطقتها.
وما هي إلا لحظات حتى إتخذت من شرفة منزل أهلي في المدينة مركز رصد سمح لي برؤية صواريخ المروحيات وهي تنطلق بإتجاه قرى قضاء صور.
مرت ساعات الليل بسرعة، وما أن أطل الفجر، حتى بدأت شمس النهار تستعد للخروج من مخبأها...خروج خجول وعين الشمس فيها من الدموع ما يكفي ليغسل أجساد شهداء الليلة الأولى..
بسرعة توجهنا إلى البازورية حيث تم إستهداف أحد الأحياء، ولم نكد نصل حتى علمنا بأن مجزرة ما وقعت في بلدة شحور.
وصلنا إلى البلدة، وكان المستهدف هناك منزلا قضى جميع سكانه الكبار منهم والصغار.
أعطيت رسالة لنشرة الأخبار، وأخذنا بعد المشاهد، لكننا تركنا المكان فورا بعدما أبلغنا بأن مجزرة أخرى وقعت في قرية بافليه وأن الشهداء أصبحوا في مستشفى جبل عامل في صور
في المستشفى كان المشهد الذي لن يمحى من ذاكرتي ما حييت. كنت والمصور حسن حمودي نبحث عن شهداء آل الزين الذين قضوا في مجزرة بافلية، وفجأة كانت الصورة الفاجعة.
جسد طفلة مشطور إلى نصفين، نصف يغطيه السواد، ونصف آخر لم يبق منه شيء ليحكي عن أحلام طفلة لها حق بالحياة، عن أحلام أم كانت ترى في كل حركة تصدر عن طفلتها عالما جديدا، عن أحلام أب شهيد جل أمنياته أن يرى إبنته عروسا. أحد أطباء المستشفى كان يحمل ما تبقى من جسد الطفلة ويردد أمام الكاميرا: "هذه الديمقراطية التي وعدنا بها أولمرت وبوش ورايس"، "هذا هو الشرق الأوسط الجديد" هذا وهذا وهذا.
إلى شحور توجهنا حيث مجزرة آخرى و في طريق العودة إلى صور، رن هاتف زميلي حسن الذي كان يقود، فأجبت. كان أحد الزملاء يصرخ: قصفوا التلفزيون قصفوا التلفزيون و... وإنقطع الإتصال.
كنا قد أصبحنا في العباسية، البلدة التي أقضي عادة فيها أيام إجازتي، والتي أعرف فيها الكثير من الاشخاص.
كان مروان فواز صديقي يقف على جانب الطريق ناديته طالبا تأمين بيت فيه تلفاز لأني أريد أن أعرف ماذا حل بالمنار وهكذا كان.
بعد عدة إتصالات علمنا أن البارجة الإسرائيلية قصف سطح المبنى ما أدى إلى تضرر عدد من صحون البث.
منهك كان يومنا الأول...مجزرة أخرى في زبقين، بسرعة إنطلقنا إلى هناك...
كنا أول وآخر وسيلة إعلامية تصل إلى تلك القرية، فالطريق يقصف والقرية تستهدف ونحن والشهداء والأهالي عالقين، وكل عالق على طريقته.
الشهداء تحت الركام، والأهالي يحملون هم إنتشال أبنائهم أما نحن فنبحث عن درب تأخذنا إلى قرى آخرى سقط فيها شهداء.
القصف الصهيوني كان يستهدف الطرقات والقرى والمزارع ولم يكن يوفر أحدا وفيما اوافي القناة التي أعمل معها برسالة من القرية أغار الطيران الحربي الإسرائيلي على بعد مئة متر من مكان الغارة الأولى التي دمرت منزل نعيم بزيع على من فيه.
كانت المرة الأولى التي أشعر بإقتراب الخطر، لم يكن لدي وقت لأفكر وأقرر، ركضت، لم أدري إلى أين لكني ركضت.
بعد أن أنهينا العمل في زبقين أقفلنا عائدين إلى صور حيث كان بإنتظارنا الزميل عبد الله شمس الدين الذي وافانا إلى صور التي بدا أنها تحتاج إلى كثير من العمل.
أسدل الليل ستائره على مدينة صور الغارقة في الحياة حتى أذنيها.
المطاعم كما اليوم الأول لا زالت مفتوحة، والمقاهي تعج بالرواد المزدحمين حول أجهزة التلفاز.
"لاشيء سيحدث، سنبقى حتى آخر لحظة" قال أخي نور الذي كان يعمل بشكل دائم على تحضير الملجأ لسكان المبنى الذي تقطن فيه عائلتي.
كانت أصوات القصف تأتي من كل الجهات، وهدير الطائرات يملأ المكان، لاسيما السيئة الذكر الشهيرة الـ أم كاي

لم تكد تغفو عيني حتى وردني إتصال من زوجتي رباب التي كانت تبلغني وهي تبكي أن القصف إقترب من بيتنا في منطقة الحدث على أطراف الضاحية الجنوبية لبيروت.
كانت أسناني تصفع بعضها، والصقيع يتغلغل في أطرافي ونحن في عز تموز، كيف لا وعائلتي تواجه الخطر وحدها.
أخضعت ضعفي لحتمية التماسك، وحاولت التخفيف عن زوجتي، التي جمعت قواها من جديد و بدورها تماسكت وسعت من طرفها لطمأنتي فكنا كل من مكانه يمثل على الآخر.

ليست هناك تعليقات:

Al-Mayadeeen Feeds